عرفناها ب"هالله هالله عالجد والجد هالله عليه"، امرأة قوية، هكذا يوحي جسدها رغم "سذاجة" أدوارها أحيانا وضحكها المبالغ فيه أحيانا، وهي من بين الممثلين الذين يتركون ذلك الانطباع الغريب والمختلط، هو أنّهم ولدوا كبارا.
هي ماري منيب، أصيلة لبنان وابنة مصر، من قدّمت للمسرح كلّ شيء، ومن تربّعت على على عرش مجموعة من أكبر خشباته وفرقه كفرقة عطالله والريحاني.
خسرت معركتها الأولى مع الدّراسة في سنّ مبكّرة حين أعلنت أمام الجميع أنّها لا تهتمّ بهذا الأمر فما كان على المدرّسين سوى دعوة أمّها لإخبارها بضرورة أن تقوم الابنة بشيء آخر عوض الدراسة. خسارة محدّدة، شكّلت منعرجا كبيرا في حياتها، فقد فرشت لها سجّادا طويلا جدّا، يمتدّ طوله إلى 35 سنة من التجربة الفنيّة كممثّلة مسرحية وسينمائيّة بغاية الأهميّة والتأثير.
ولدت سنة 1905 وتوفيت سنة 1969، نحتفل اليوم بعيد ميلادها الرابع عشر بعد المائة متذكّرين دوما أسلوبها الخاص جدّا في الرقص والغناء والتمثيل على شاشات الأسود والأبيض.
بعد الدراسة، خاضت معركة أكبر بكثير في موعدها الأوّل مع قطار الحب. معركة رابحة في البداية لكن خسارتها كانت فقط مؤجلة، كان للقطار فيها حضورا حرفيّا لا مجازيّا كما في الأحلام. ففي جوّ أقرب للخيال، التقت الشابة الصغيرة والممثلة الصاعدة ماري منيب، حبيبها الأول فوزي منيب على متن القطار الذي حملهما إلى الشام لتلتحق ماري بفرقة غنائية. هناك، التقيا صدفة، تبادلا النظرات، وقعا في غرام بعضهما وتزوّجا، وفور النزول من القطار، انطلقت رحلتهما القصيرة في تقديم مسرحيات معا، بعد أن شكلّا فرقة تسمّى "الزوج". كانت هذه القصة معركة لأنّ ماري افتكّتها من أمّها التي رفضت هذا الزواج وأرادت منهما الطلاق، لكنّ أصرّت ماري على مواصلة الحياة مع زوجها الذي رافقها إلى بيروت أين عملا وجنيا مبالغ هامة من المال.
أنجبت ماري طفلين من فوزي منيب الذي تزوّج سرّا بامرأة أخرى ولم يقبل طلاقها حتى عند علم ماري بذلك، خسرت حينها معركة الحب وطلقت منيب ، حبها الأول، للتزوج فيما بعد من محام اسمه عبد السلام فهمي.
رغم بدايتها على خشبة المسرح ومواصلتها لهذا الفن على مدى مسيرتها، فقد شاركت ماري منيب في أكثر من مائة فيلم في حين قدمت قرابة 25 عمل مسرحي، لذا لا نستغرب أن تكون ثالث أكبر معاركها مع المسرح الذي تخلّى عنها خلال سنواتها التسع الأخيرة.
منذ سنة 1933 إلى سنة 1960 لم تغب ماري عن أعمال فرقة الريحاني الذي طلب منها تعويض الممثل حسين ابراهيم، لتبدع حينها في دور الحماة في "الدنيا على كف عفريت"، تجربة أقنعت الريحاني أن دور الحماة قد خلق من أجل ماري منيب، ولم يتخلّ عنها منذ ذلك الحين. انتهى كلّ شيء بوفاة الريحاني الذي تم حينها تعويضه بمخرج شاب لم يعر ماري الأهميّة التي عهدتها وانتظرتها، فانسحبت من الفرقة لتركن إلى وحدتها وتمضي السنوات المتبقية في معاناة المرض والإنفاق على صحّتها المتعكّرة.
هكذا أنفقت ماري منيب حياتها على المسرح، متصدرة الركح ومالكة بضحكتها وجملها الشهيرة شاشات التلفزيون الصغيرة، لتبقى بأذهاننا حماة لئيمة ومصدر حنين وبهجة على الدوام.