في إطار فعاليات الدورة 33 لمعرض تونس الدولي للكتاب، نظّم المعهد الفرنسي بتونس لقاءً حواريّا مع الكاتب الفرنسي ورئيس تحرير جريدة لوموند ديبلوماتيك Le Monde diplomatique سارج حليمي للحديث عن كتابه "كلاب الحراسة الجدد".
تم إصدار "كلاب الحراسة الجدد" لأوّل مرّة سنة 1997، ثم قام سارج حليمي بتحيينه سنة 2005 ليحقّق مبيعات وصلت إلى 250000 نسخة.
يعتبر كتاب "كلاب الحراسة" للمفكّر الفرنسي بول نيزان مرجعا أساسيا لـ"سارج حليمي" عند تفكيره في كتابة "كلاب الحراسة الجدد" وربّما شكّل تواصلا للعمل الأوّل الذي صدر في 1934، والذي قدّم فيه بول نيزان نقدا لفلاسفة عصره الذين اعتبرهم منظّرين للبورجوازية وخدمًا للنظام الاقتصادي وللطبقات الحاكمة في تلك الفترة. في نفس هذا السياق، كتب سارج حليمي عن صحفيّي عصره وبلده جامعا في كتابه كلّ القرائن التي من شأنها أن تفضح عديد ممارسات الفساد الإعلامي، خاصة في كل ما يتعلق بالإعلام السياسي.
لئن قدّم بول نيزان نقده لفلاسفة عصره معتبرا إيّاهم مجموعة من المنظّرين للمثالية وللسعادة دون التفكير في آلام الإنسانية من حروب ومجاعات، بحكم كونهم قريبين للسّلط الحاكمة أو يتودّدون إليها ليصيروا كذلك، فإنّ سارج حليمي قد وجّه كلّ هذه التهم وغيرها إلى الإعلاميين المساهمين بشكل مباشر في التأثير على الرأي العام لصالح السلطة التي يرتبطون بها بشكل وثيق.
![سارج حليمي في معرض تونس للكتاب 2017](/sites/default/files/halimi.jpg)
يشكّل الصحفيّون السياسيّون في البداية علاقات صداقة مع رجال السلطة بتعلّة الرغبة في الحصول على المعلومة، لكنّهم سرعان ما يتحوّلون إلى أسرى لهذه العلاقات التي تضعهم في صورة المهمّين إلى أن يجدوا أنفسهم متحصّلين على مقابل لنشر معلومات معينة أو المشاركة في بروباغندا ما بشكل غير مباشر.
حلّل سارج حليمي هذه الظاهرة منطلقا، لا من المقاربة النظرية وحدها، إنّما استند في تحليله على وقائع ماديّة كشف من خلالها عديد الأسماء ك(ـباتريك بوافر دارفور)،( آلان مينك)،( آلان دوهاميل) وغيرهم من الإعلاميّين والبرامج التي تساهم بشكل مباشر في التأثير على الرأي العام السياسي في فرنسا.
كما اعتبر سارج في كتابه أنّ أهمّ الأسباب التي تجعل المعلومة رهينة القرار السياسيّ، هو تدّخل مالكي القنوات التلفزيّة أو المجلات وغيرها من وسائل الإعلام في الخطّ التحريريّ، ممّا يجعل دور الصحفي هامشيّا بالمقارنة مع فوقية التعامل هذه والمراقبة المستمرّة لأعماله. كما لا تتوقّف المسألة مع سارج عند العلاقة مع السلطة، لكن الأكثر أزمة هو علاقة الإعلام بالمال في حديثه عن المعلومة/السلعة، التي تقدّم للجمهور بغلاف جدّيّ غالبا ما يكون رأي خبير اقتصاديّ أو محلّل سياسيّ، لكنّها بالأساس قرار سياسيّ، متّخذا في ذلك مثال قرار الإصلاح الاقتصاديّ في فرنسا وتجنيد الإعلام لأجل ذلك.
يؤكد حليمي أن كلّ هذه الممارسات لا تشكّل سوى تواطؤ مع السلطة و"انحناء" لها، كما يربط استقلالية الإعلام بضرورة تجريده عن رأس المال السياسي.
الكتاب وحده لا يكفي، لننجز فلما
يحمل كتاب "كلاب الحراسة الجدد" عديد الصور المكتوبة، فهو يروي في جزء كبير منه وقائع من شأن القارئ أن يتخيّلها. من هنا أتت الحاجة إلى تحويل هذا الكتاب إلى فيلم قام بإخراجه كل من جيل بالباستر و يانيك كيرغوت سنة 2012.
لا يعكس الفيلم سخط سارج حليمي على الوسط الإعلامي في فرنسا، بل يصوّر هذا العالم بشكل ساخر وطريف يمكن أن يجعل المتحدّث عنهم يضحكون أيضا. كما يحتوي مجهودا كبيرا، يتمثّل في تجميع العديد من الصور والمجلات ومقاطع من برامج تلفزية وتركيبها بشكل يعكس خطاب الإعلاميين المزدوج وتغيّر انتماءاتهم ومواقفهم السياسية عبر التاريخ.
يقدّم الفيلم أيضا أرقاما لمداخيل الخبراء الاقتصاديّين الذين يخدمون السلطة بتصريحاتهم إضافة إلى علاقات الحبّ والزواج التي حدثت بين صحفيّين ورجال سلطة. وتتخلّله قراءة لمقاطع من كتاب "كلاب الحراسة" لبول نيزان، كتأكيد على أنّه المرجع الأساسيّ لهذه الفكرة.
بول نيزان وسارج حليمي، كلاهما مغضوب عليه في العصر الذي وجد فيه، وكلاهما تواصل لفكرة، ستلقى يوما اتفاقا من الجميع وهي "الكرامة".