صدر حديثا عن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، طبعة ثانية منقحة ومزيدة من مذكّرات المصلح التونسي خير الدين باشا (1821-1889م). وهو كتاب عرب من خلاله محمد العربي السنوسي مذكرات المصلح والمفكر خير الدين باشا التي كتبت باللغة الفرنسية مع التدقيق والبحث في المراجع التاريخية التي توثق نفس الفترة. وتعد هذه المقارعة التاريخية العنصر الفارق بين ما ورد في الطبعة الأولى للمذكرات التي صدرت سنة 2008 وطبعة 2024.
وتنقسم هذه المذكرات إلى أربعة أبواب خصص كل منها إلى طرح تجارب وأفكار خير الدين باشا. وجاء الباب الأول تحت عنوان « المذكرة الأولى: إلى أولادي، حياتي الخاصة والسياسية » وهو يوثق تجارب خير الدين باشا مع أهم المناصب التي تقلدها وتحديدا منصبي الوزير الأكبر بتونس والصدر الأعظم بالإمبراطورية العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، بما تحمله كل تجربة من تفاصيل تاريخية نحتت فكر وتصور خير الدين باشا الحداثي.
أما المذكرة الثانية فقد دون فيها خير الدين باشا برنامجه من خلال تقديم قراءة نقدية لتاريخ الحضارتين العربية والعثمانية، وطرح أفكاره المتعلقة بكيفية بناء دولة حديثة دون التعارض مع قيم الإسلام ومع احترام خصوصيات الشعوب، من ذلك ما ورد في الصفحة 136 من هذه المذكرات: « يستحيل غرس مؤسسات بلد في بلد آخر، حيث تختلف طباع الناس، وعاداتهم وثقافتهم، وكذلك ظروفهم المناخية. » علما أن خير الدين باشا كان أصدر سنة 1866 كتابا بعنوان « أقوم المسالك لمعرفة أحوال الممالك » وهو كتاب مرجعي يتناول تاريخ القرن التاسع عشر من منظور خير الدين باشا.
وطرحت المذكرة الثالثة « القضية التونسية على ضوء المسألة الشرقية » وقد خصص فيها مساحة للحديث عن « مصطفى خزنه دار » وأورد بعض الوثائق التاريخية المتعلقة بالكوميسيون المالي. أما المذكرة الرابعة والأخيرة التي جاءت بعنوان « إجابة على افتراء أو إظهار حق » فتحمل مجموعة من الإيضاحات التاريخية حول ما نسب إليه في تلك الفترة من ذلك اتهامه بالمساهمة في دخول الاستعمار الفرنسي إلى تونس.
كل هذه المعطيات التاريخية الهامة دونت في 320 صفحة من الحجم المتوسط، وتصدر الإصدار تقديم بقلم المفكر الراحل عبد الوهاب بوحديبة (1932- 2020) الذي صدرت النسخة الأولى من المذكرة خلال فترة إشرافه على مجمع بيت الحكمة واعّتُمد نفس التقديم في هذه الطبعة المحينة بالإضافة إلى تقديم ثان صاغه مترجم الوثيقة محمد العربي السنوسي.