من منّا لا يعرف حفلة النوبة بقرطاج سنة 1991، لم تغره انحناءات ليليا الدهماني بفستانها الأحمر مع صلاح مصباح على أنغام "يا أمّ العوينة الزرقة،" أو الثلاثي الذي جمع بين الهادي حبوبة بخطواته الاستثنائية في الرقص والغناء مع صالح الفرزيط وبادوس خلال نوبة "سيدي عبد القادر" أو الأداء الخرافي لاسماعيل الحطاب في "ما بين الوديان" وتخميرة لطفي بوشناق في "نمدح الأقطاب".

تعتبر حفلة النوبة مرجعا أساسيّا ومحطة لا يمكن تجاوزها إذا أردنا الحديث عن الفن الشعبي في تونس. هذا الفنّ، وخاصّة المزود، قد منع من الوجود في القائمة الرسمية لما يجب أن نقدّمه للشعب بعد الاستقلال، فقبع في دائرته الأولى، الهامش، ليكون فنّ المهمّشين بامتياز، ينطلق منهم ويعود إليهم.

لم يعد فنّ المزود على ما كان عليه في السابق، فقد تمّ ترويضه من قبل البعض ليخرج عن سياقاته الأساسية والأصيلة من خلال مزجه بإيقاعات أخرى شرقية وحتى غربية لتطويعه للتعبير عن معان لا علاقة لها بثقافة الرفض التي ولدت من رحمها هذه العقلية الفنية وهي المزود.

فنّ المزود، وحفل النوبة، هما اليوم موضوع مسلسل يقوم المخرج التونسي عبد الحميد بوشناق بإعداده لشهر رمضان. هكذا صرّح لنا مخرج سلسلة "هاذوكم" وفيلم "دشرة"، عن تفاصيل هذه التجربة التي تعد الأولى من نوعها في تونس. في هذا العمل التلفزي، سيعود عبد الحميد بوشناق إلى سنة 1991، وسيدخل في عالم المزاودية بكلّ تفاصيله التي تجمع الإبداع والمشاكل والأزمات الكبرى بين الفنانين في ذلك الوقت، عالم كبير وغامض، سيتطرّق بوشناق إلى البعض من معالمه في هذا العمل الذي سيعرض في شهر رمضان القادم.

سيجمع العمل بين ممثّلين عدّه، من بينهم الكبير حسين المحنوش، والممثلتين سندس بلحسن و أميرة شبلي، ولن تتوقّف أدوار الشخصيات على ممثّلين إنّما ستجمع بين فنّانين من بينهم من شارك في عرض النوبة كلطفي بوشناق الذي سيقوم بدوره بتلحين أغاني المسلسل، والهادي حبوبة أيضا. من بين "المزاودية" الذين سيمثّلون في هذا العمل، نجد محمد علي الأسمر الذي يحمل بدوره صوتا استثنائيا وقد عرف في الأوساط الشعبية بالعديد من الأغاني، لكنه لم يحظ بنصيبه من الشهرة كالكثير من أبناء زمنه الذهبي.

كتب عبد الحميد بوشناق العمل وسينطلق يوم السبت المقبل في تصويره حتى نراه على شاشاتنا الصغيرة خلال شهر رمضان القادم.