كان ممنوعا من السفر، من الغناء ومن الكلام في مراحل مختلفة من حياته، ولكن لم يكن بإمكان أي نظام أن يمنعه من الاشتياق والابتسام. هو الشيخ إمام القادم من قرية أبو النمرس. لا نعرف عن الشيخ إمام سوى الجانب المقاوم، الفنان الثوريّ الملتزم بقضايا قومية وإنسانية، ولكننا نجهل جوانب أخرى من حياته قد تبدو للبعض تافهة أو ثانوية ولكنها تمكن من مقاربة شخصية بحجم الشيخ إمام.
يمكننا بنزلة زرّ على الحاسوب التعرّف على الشيخ إمام بجمع العديد من المعلومات عن بداياته وتاريخه الفنيّ وكيف تعرّف على الشيخ زكرياء أحمد الذي ساعده على اكتشاف وتطوير موهبة التلحين لديه. يمكننا أيضا أن نفهم، بنفس نزلة الزرّ، السياق التاريخي في الفترة التي عاش فيها ومقاومته لجمال عبد الناصر والسادات، وأوّل لقاء له مع أحمد فؤاد نجم وضابط الإيقاع محمد علي. يمكننا ظاهريّا معرفة كلّ شيء عنه، بيد أن الغموض يكتنف كثيرا من جوانب شخصيته، وذلك بشهادة مقرّبين منه.
لمعرفة بعض المعلومات والتفاصيل غير المتداولة عن الشيخ إمام كان من المهم أن نتحدّث مع أشخاص التقوا به، عاشوا معه لفترات ولو قصيرة جدّا، تكلّموا معه واستمعوا إلى نكاته وأحاديثه. اتصلنا بمجموعة من السينمائيين والكتاب والإعلاميين التونسيين الذين يعرفون عن كثب "مولاي"، مثل المخرج رضا بن حليمة والناقد السينمائي الهاشمي بن فرج والإذاعيّ الحبيب بلعيد والكاتب منجي الطيب الوسلاتي.
عندما كان الهاشمي بن فرج طالبا في باريس قرر ذات يوم من سنة 1974 أن يسافر إلى القاهرة للقاء الشيخ إمام وتسجبل حفلاته الخاصة ثم إصدار إسطوانة له، دون أي مقابل ماديّ، بعنوان "عيون الكلام" (1976) وكانت هذه الإسطوانة الأولى للشيخ إمام والتي ترجمت فيها أشعار أحمد فؤاد نجم إلى اللغة الفرنسية بمساعدة مجموعة من الطلبة اختارهم الهاشمي بن فرج المؤمن بموهبة إمام وبالفن الذي يقدمه. بعد إصدار هذه الإسطوانة حاول الهاشمي ومن معه إحضار الشيخ إمام إلى تونس للتعريف به لكنه مُنع هو وأحمد فؤاد نجم من السفر وهما في المطار ومن هنا جاءت أغنية "ممنوع من السفر". وساهم الحبيب بلعيد الذي كان يشتغل في إذاعة تونس الدولية في نشر أغاني الشيخ إمام الممنوعة آنذاك، فتكوّنت مجموعات من محبّيه كما تكّونت مجموعات فنية ملتزمة مثل البحث الموسيقي، والحمائم البيض، ومحمد بحر والهادي قلّة. وفي سنة 1984 قام الشيخ إمام بأول حفل في تونس وتحديدا في جندوبة بمعيّة الاتحاد العام التونسي للشغل كما قام على إثرها بعشرات الحفلات في بنزرت، وسوسة والقيروان وصفاقس وتوزر وقابس وقفصة.
في تونس، أثّث الشيخ إمام سهرات خاصة عديدة حضر فيها آدم فتحي، الزين الصافي، آمال الحمروني، رضا بن حليمة، نبراس شمام، الهاشمي بن فرج، الحبيب بلعيد، منجي الوسلاتي، الحبيب بالهادي، نبيهة كراولي، محمد كريشان، رضا البركاتي، محمد الشرفي، وغيرهم. كان محبّا للحياة لا يكفّ عن الغناء. أثناء هذه السهرات الحميمية غنّى إمام أغنيات غير معروفة مثل "قد إيه برتاح أنا لحظة أقابل بسمتك"، ضحك وأكل لأوّل مرّة المعكرونة على الطريقة التونسية. كانت هذه السهرات بمثابة الملاذ بالنسبة إلى الشيخ إمام الذي عاش ويلات السجون والقمع باسم السلطة والدين والمجتمع.
سكن الشيخ إمام طيلة حياته، قبل شهرته وبعدها، في منزل متواضع وصغير جدّا في خوش قدم بالغورية وهي من الأحياء الشعبية المصرية، وكان متكتما على حياته العاطفية. عاش، بشهادة الكاتب منجي الطيب الوسلاتي، قصة حب من طرف واحد ألهمته كثيرا فكتب في حبيبته التي لا نعرف هويتها أغنية "فرّح فؤاد الحبيب" وهي من الأغنيات القليلة التي كتبها إمام بنفسه. كما عاش قصة حب ثانية مع امرأة ثريّة متزوجة من أستاذ جامعيّ معروف في مصر. جمعتهما في البداية علاقة صداقة تطوّرت لتصبح قصة حبّ حقيقية كانت من بين الأسباب القوية في خلاف إمام ونجم الذي كان يعتقد بأن هذه المرأة ستأخذ منه رفيق العمر، لكن حبيبة إمام كان همّها أن تساعده على تسجيل أغانيه والتعريف به وبفضلها يمكننا الآن الاستماع إلى بعض التسجيلات النقية بصوت "مولاي".
لا يمكننا الحديث عن الشيخ إمام دون الحديث عن علاقته الاستثنائية بأحمد فؤاد نجم. أحدث الثنائي نقلة نوعية في تاريخ الأغنية السياسية المصرية منذ نكسة 1967، ففي سجن القلعة كان نجم وقت الفسحة يلقي قصائده أمام زنزانة إمام ليحفظها ويلحّنها مثل "مصر يا بهية" و"يا فلسطينية" و"الخط دا خطي". استعان الشيخ إمام بقصائد شعراء آخرين مثل الشاعر الفلسطيني توفيق زيّاد في "أناديكم" وسيد حجّاب في"حطة يا بطة" وأحمد فؤاد قاعود في "وهبت عمري للأمل"، والشاعر التونسي آدم فتحي في "يا ولدي" والشاعر والكاتب المسرحي نجيب سرور. حدّثنا الناقد السينمائي الهاشمي بن فرج بأنه كان يتردد على مقهى ريش المعروف بأنه مقهى الشعراء والكتاب في مصر، وتعرف على نجيب سرور الذي لم يكن يعلم بأن إمام بصدد تلحين قصيدة له بعنوان "البحر بيضحك ليه"، فكان أوّل لقاء بينهما بفضل الهاشمي، ثمّ لحّن الشيخ إمام لنجيب سرور بعد ذلك "حلوا المراكب".
لا تُؤدّى أغاني الشيخ إمام بالحناجر وإنّما تُؤدّى من الأحشاء، لأن كلماتها وألحانها لها نبضها الخاص. الشيخ إمام ليس رمزا ثوريا فقط ففي أغانيه بعد احتفالي واحتفاء بالحياة وكيف لا وهو الذي وضع موعدا أسبوعيا قارّا للسهر مع مجموعة من الفنانين من بينهم محمد منير ومحرّم فؤاد وعادل إمام وفاروق الشرنوبي الذي تتلمذ على يده وآخرون لازالوا يذكرون إمام الضحوك وإمام المقاوم.